2/3 الجماعات الصغيرة

الجماعات الصغيرة: -
ý    الانضمام: -
ما الذي يجعلنا ننضم إلى جماعات دون أخرى، على افتراض أن الجماعات التي ننتمي إليها لا ننتمي اليها بسبب العمل أو أسباب أخرى مثل الزواج أو الأسرة؟ هناك عدة اسباب تم تحديدها والتي تجعل الفرد يفكر في الانضمام إلى الجماعات ومنها: -
·        التعلق Attachment
أنماط التعلق التي تتشكل في مراحل عمرنا المختلفة وكذلك التجارب الاجتماعية والانفعالية تلعب دوراً في تحديد الجماعات التي ننتمي اليها في المستقبل. فهي لها تأثير قوي على أي نمط نتخذه مستقبلاً. وعلى سبيل المثال إذا كان لدى الفرد نمط التعلق المتناقض يتحرك ما بين الشعور بالأمان وعدم الأمان فإن ذلك قد يؤثر على انضمامه لأي جماعة مستقبلاً. فالشخص ذو التعلق الآمن لديه قدرة على انضمام لأي جماعة ويستقر فيها.
·        الضغط Stress
ربما نميل إلى الانضمام للجماعات لنخفف من الضغوط التي نتعرض لها خلال حياتنا، مثال عندما ننتظر في عيادة طبيب أو عند السفر في الحافلة، قد نتحاشى نظرات الآخرين لكن بعد قليل نتجاذب أطراف الحديث لنكون جماعة بدائية.
·        الاتصال Contact
 بمجرد التعامل المتكرر مع أشخاص بعينهم، نصبح معجبين بهم وبالتالي هناك فرصة كبيرة لننفق معهم المزيد من الوقت، فتصبح جماعة قابلة للاستمرار.
·        المصالح المشتركة Common interests
أحد الأسباب التي تجعل الفرد ينضم إلى جماعات عديدة، فالأفراد المتشابهين في اهتمام يميلون إلى التجمع مع بعضهم البعض كجامعي الطوابع ونوادي القراءة، بالتالي زيادة التواصل يؤدى إلى زيادة الإعجاب من ثم تصبح جماعة.
·        الهوية الشخصية والاجتماعية Personal and social identity
نحن ننفق الكثير من الوقت نتساءل عن هويتنا ماذا نكون وماذا نحب، ونبحث عن تقدير الذات ونقلق من موقعنا في الحياة، فالعضوية في جماعة معينة تجيب لنا عن هذه التساؤلات وتمنحنا تقدير الذات من خلال ممارسة كل منا أدوار محددة، بالتالي ننسى الفردية والقلق على الذات لحساب الجماعة.
·        التنشئة الاجتماعية Socialization
 عملية مستمرة طوال حياة الفرد، تقوم على خبراتنا داخل الأسرة والمدرسة.
ý تأثير الجماعات الصغيرة على أعضائها 
كيف تؤثر الجماعات الصغيرة على أعضائها وتشكل سلوكياتهم؟ الكثير منها يعتمد على ملاحظة أعضائها بعضهم البعض، ولكن هل تحب أن يشاهدك أحد وأنت تقوم بمهمة ما؟ وكيف تتوقع أدائك؟ البعض أداءه يقل لدرجة أنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً (مرحلة الخوف من الأداء العلني stage-fright) لأن أداءه ملاحظ من قبل آخرين. بالتالي عند اداء مهارة جديدة يجب التعلم عليها منفرداً قبل أدائها أمام الآخرين. والبعض قد يزداد دافعه للأداء عند مشاهدته للجمهور. وتؤثر الجماعات الصغيرة أيضاً من خلال المعايير الاجتماعية وفى ذلك أي جماعة صغيرة تمر بهذه المراحل الأربع التي تحدث بشكل مرتب وطبيعي:
1)     التشكيلforming : وذلك في المرحلة الأولى عندما يتجمع مجموعة من الأشخاص لتكوين جماعة ويتناقشون حول ماهيتها. إلخ.
2)     العصفstorming : يصبح هناك خلافات وجدل وفردية حول تنظيمهم للجماعة وربما تسوء الأمور كذلك يتم توزيع المناصب والأدوار على أعضاء المجموعة.
3)     القواعد أو المعايير norming: وذلك لتأسيس الجماعة، فما هي المعتقدات والآراء المشتركة؟ ما هي الأهداف الكبرى للجماعة؟ وما هي السلوكيات اللائقة وغير اللائقة بالجماعة؟ وقد تكون هذه القواعد علنية أو سرية.
4)     الأداء performing: ويظهر بعد التأسيس بمدى التزام الأعضاء بقواعد الجماعة.
ý    القوة Power:
القوة هي القدرة على التأثير في الآخرين، وليس سهلاً أن تقول للآخرين ماذا يفعلون. فالشخص ذو التأثير النافذ في الجماعة الصغيرة يتوقع أن يفعل الأعضاء ما يطلب منهم بالتالي مكافآتهم، القوة تعنى السيطرة على الموارد التي يمكن أن يكافأ بها الآخرون أو استخدام القوة القسرية لمعاقبة عدم الممتثلين. وقد تكون السلطة الشرعية أحد الوسائل التي تستخدمها السلطة لطلب أشياء معينة من أعضائها عن طريق الطلب منهم بلطف الامتثال للأوامر التي ستحدث عاجلاً أو آجلاً. وهناك أيضاً السلطة المرجعية التي تستمد قوتها من المعرفة والمعلومات والخبرة، فهم لديهم المعلومات اللازمة لتنفيذ أعضاء المجموعة مهامها.
وغالباً ما تتوقع السلطة الطاعة من أعضائها وتنفيذ ما تأمر به دون أسئلة، إلا أنه يوجد دائماً من يعارضون السلطة والوشاة في أي جماعة.
ý    أداء الجماعة Group performance
يتم تشكيل أي جماعة من أجل غرض ما مشترك اتفق عليه أعضاؤها مسبقاً، هنا تثار أسئلة رئيسية مثل كيف سيكون أداء الأعضاء لتنفيذ الأهداف؟ وإلى أي مدى؟ الإجابة على هذه الأسئلة يعتمد على نوع المهمة. وأي مهمة تعتمد على التنسيق والتناغم بين أعضاء الجماعة لتحقيق أهدافهم سواء كان العمل كفريق أو بشكل فردى. وحينها أي شيء يقود إلى انخفاض في الدافع أو انخفاض في التنسيق بين أعضاء الجماعة من ثم انخفاض في الانتاجية، ويسمى هذا الشكل بالتكاسل الاجتماعي social loafingعندما يشعر أحد أعضاء الجماعة أن بذله للجهد غير مؤثر في الإنتاج العام للمجموعة. والغريب أن النساء أقل في التكاسل الاجتماعي عن الرجال، ربما لأنهم أكثر انسجاماً مع العواقب الاجتماعية والعاطفية لعضوية العمل الجماعي.
على سبيل المثال إذا كانت المهمة فكرية أو حل المشكلات، فالمجموعة المكونة من عدد أعضاء محدود أكثر فاعلية من المجموعة الكبيرة، ولمعرفة كيف يكون أداء الجماعة ننظر لثاني أفضل شخص فيها.
التنسيق داخل المجموعة وأدائها يعتمد بشكل كبير على مدى توافر المعلومات واستخدامها وأيضاً أنماط التواصل بين الأعضاء، مثل أن يجلس أحد الأعضاء في الوسط فهو يشكل شبكة اتصالات هو محورها مسيطراً على كل المعلومات الواردة والصادرة شاعراً بالرضا عن موقعه، بالتالي تعمل الجماعة بكفاءة عالية إذا كانت هناك مهمة عاجلة ، أو أن الجماعة كبيرة . أما لو كانت صغيرة فربما الليبرالية والديمقراطية أحد أساليب التواصل المجدية.
والاستقطاب polarization أحد العوامل المؤثرة في أداء الفريق، فهو النتيجة الحتمية للمناقشات واستماع وجهات نظر الآخرين، على سبيل المثال المخاطر risky shift التي تتبع اتخاذ القرار تقل وسط الجماعة تزداد عندما يكون الفرد وحيداً. فعندما تطرح الجماعة موقف ما، يصل أفرادها لسلك طريق معين يعتبر في نظرهم أكثر أمناً ولكن قد تقرر الجماعة طريق آخر غير الأول بناء على المعلومات التي استحدثتها المنظمة عند اجتماعها معاً، هذا يعزز المعيارية في الجماعة.
التفكير الجماعي (الجمعي) group think هنا يظهر ضغط المجموع لخلق ضغوط على الأقلية لعدم التعبير عن رأيهم، فالشعور بالتماسك cohesiveness يتطور لدى الجماعة ويخلق وحدة بينها مما يؤدى إلى قمع المعارضة في صالح المجموع، ودون أي منهجية لإجراءات صنع القرار طالما هناك توجيهات الزعيم! واتخاذ أي قرار بناءً على الجرأة أو التخيل لن يجدي هنا، لأنه سيظهر ما يسمى بــــ (حراس العقل mind-guards) الذين يمارسون الضغوط على المختلفين بل ويوجهون تفكيرهم أيضاً.
هناك طرق نموذجية لمقاومة ذلك وهى توعية الناس أو خلق دور لأحد الأشخاص يشكك في جميع القرارات التي اتخذت، والأفضل أن يكون هناك رجعة أو فرصة لعقد اجتماع يوضح القرارات التي اتخذت من قبل الخبراء.
ý    تعزيز أداء المجموعة Boosting group performance
هناك طرق عديدة لتعزيز أداء المجموعة، أحد هذه الطرق العصف الذهني brainstorming الذي يتضمن جلسة لأعضاء الجماعة لتوليد الأفكار بأسرع ما يمكنهم حول مشكلة ما وكل الأفكار مقبولة. إلا أن هذه الطريقة غير فعالة في واقع الأمر فأحياناً تحجب بعض الأفكار، ويمكن ان يعالج الأمر من خلال تقسيمهم غلى جماعات صغيرة ثم تجمع تلك الأفكار فيما بعد مع ضمان التمثيل المتوازن.
وهناك طريقة أخرى هي الانفتاح على آراء الأقلية minority opinions عن طريق إتاحة الفرص لها وتعزيزها وربما تؤدى إلى نتائج أكثر إبداعية، لذا فالعامل الأهم بالنسبة لتعزيز الأداء هو أسلوب قيادة الجماعة style of leadership.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثامن من "كتاب Applying Psychology to Everyday Life"

تعليقات

المشاركات الشائعة

د. فاروق مصطفى جبريل

معلم علم نفس، وباحث متخصص في علم النفس والصحة النفسية