عصر الخوارزميات

  

اَلْقَوْل اَلْفَصْلِ فِيمَا يُنْسَبُ لِلذَّكَاءِ اَلِاصْطِنَاعِيِّ مِنْ فَضْلٍ

   تخيل معي الآتي "يجلس الخوارزمي على مكتبه الخشبي ويستخدم اليراعة والدواة والقرطاس وأمامه المئات من المخطوطات الرياضية ليكتب كتابه المعروف بالجبر والمقابلة"، انتبه لما يستخدم من أدوات ليكتب وما تستخدمه أنت لتكتب! وكم بذل من مشقة ليحصل على تلك المخطوطات من العصور الغابرة والعهود البائدة!

ومن غريب الأمر أن الخوارزمي هذا العالم المسلم وضع خوارزمية استخدمها علماء الحاسوب والبرمجة ليجعلوا كل شيء قابل للنسخ واللصق، والكتابة بالصوت..... إلخ. هذه الخوارزمية المتولدة من علاقة محمد بن يوسف بالكتب والناس والمادة، ستلغي علاقتك بكل هؤلاء وستفكر وتكتشف وستصول وتجول وتكتب مكانك!

عامة لم يكف الإنسان عن الحلم بالاضطجاع هكذا دون أن يفعل أي شيء، فتارة يرسم على الكهف أناس لهم أدمغة عملاقة وسفنًا عملاقة يهبطون من السماء، وتارة يصنع الهرم، وتارة يتحدث عن "تالوس" تمثال من البرونز يقاتل بدلًا من البشر، وتارة يستعبد الضعفاء من قومه. إلى أن وجد الإنسان ضالته في خوارزمية يستعبد بها آلة حقيقة لا مجاز!

يقول بانوس لوريداس (2022) [1] إن المرء قد يميل إلى الاعتقاد بأن الخوارزميات شيء نقوم به بواسطة أجهزة الكمبيوتر، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ. ويُعزى خطؤه إلى أن الخوارزميات كانت موجودة قبل اختراع أجهزة الكمبيوتر بزمن طويل.

يتحدث الكتاب السابق أنه واجب علينا أن نتعلم ونفهم كيف تعمل الخوارزميات؟ وهذا حسن، لكن........ طالما أن هناك علمًا سيصبح هناك جهلًا، وسيصبح هناك احتكار للفهم وسلطة عليا لتقييد هذا الفهم، وستصبح السلطة فوق المساءلة..... وهكذا في قصة قديمة جديدة نعرفها جميعًا.

وإن كتب هذه الخوارزمية إنسان وعلمها لآلة؛ فهل نقول الآلة أنتجت؟ أبدعت؟ كأحد أبنائك الذي تعلمه حروف الهجاء؛ فيكتشف أن لديه القدرة على الكلام ويفاجئك بعبارات ومصطلحات ثعبانية تتجمد عند سماعها.

ثم ما الداعي لأن يفهم كل البشر؛ وهناك سهولة في الحصول على المعرفة فلا مشقة في الحصول على كتاب معين، ولا مشقة في فهم معانيه والبحث في طياته. حتى المبرمج (صاحب السلطة العليا هنا باعتباره متفوقًا بالمعرفة) ما الداعي لأن يكتب الأكواد بيديه وهناك قوالب جاهزة توفر وقته ومجهوده، وهكذا تصبح طبقة المبرمجين نفسها طبقة عليا وطبقة سفلى منمّطة من قبل سلطة أعلى.

وفرضية أن الذكاء الاصطناعي قاتل للسلطوية وسيعمل على إعادة توزيع الموارد بعادلة فرضية ثبت خطأها من قبل! لقد كتبت الكتب من قبل في شتى المجالات منها ما هو حق وما هو باطل؛ فلم يقرأها أحد أصلًا أو لم تستفد منها البشرية كما ينبغي بل وساعدت على قولبة البشر وتحديد احتياجاتهم واتجاهاتهم. وجاء التلفزيون وتيبست معه عقول الناس أكثر فأكثر؛ وبدلًا من أن يشجع على الاختلاف والإعلاء من القيم والأخلاق هبط بالمجتمع إلى أسفل سافلين.

نحن في عصر الخوارزميات بامتياز، كما كان هناك العصر الحجري والبرونزي وعصر الكتابة والبخار. إلا أن العصور السابقة كانت عصور نشاط وحيوية، أما هذا فهو عصر الكسل، حضارة الكسل. ما أعظمك يا ابن آدم؛ ستصنع حضارة أخرى عظيمة (بفخادك)!


Title of the document

Unselectable text

Lorem Ipsum is simply dummy text of the printing and typesetting industry. Lorem Ipsum has been the industry's standard dummy text ever since the 1500s, when an unknown printer took a galley of type and scrambled it to make a type specimen book. It has survived not only five centuries, but also the leap into electronic typesetting, remaining essentially unchanged.

تعليقات

المشاركات الشائعة

د. فاروق مصطفى جبريل

معلم علم نفس، وباحث متخصص في علم النفس والصحة النفسية